فصل: ومن باب الرجل يحلف على علمه فيما غاب عنه:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم السنن



.ومن باب إذا علم الحاكم صدق شهادة الواحد يجوز له أن يقضي به:

قال أبو داود: حدثنا محمد بن يحيى بن فارس أن الحكم بن نافع حدثهم قال أخبرنا شعيب عن الزهري عن عمارة بن خزيمة أن عمه حدثه وهو من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: «أن النبي صلى الله عليه وسلم ابتاع فرسًا من أعرابي فاستتبعه النبي صلى الله عليه وسلم ليقضيه ثمن فرسه فأسرع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشي وأبطأ الأعرابي فطفق رجال يعترضون الأعرابي فيساومونه الفرس ولا يشعرون أن النبي صلى الله عليه وسلم ابتاعه فنادى الأعرابي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن كنت مبتاعًا هذا الفرس وإلا بعته فقام النبي صلى الله عليه وسلم حين سمع نداء الأعرابي فقال أو ليس قد ابتعته منك، قال الأعرابي لا والله ما بعتكه فقال النبي صلى الله عليه وسلم بلى قد ابتعته منك فطفق الأعرابي يقول هلم شهيدًا فقال خزيمة بن ثابت أنا أشهد أنك قد بايعته فأقبل النبي صلى الله عليه وسلم على خزيمة فقال بم تشهد فقال بتصديقك يا رسول الله فجعل النبي صلى الله عليه وسلم شهادة خزيمة بشهادة رجلين».
قال الشيخ: هذا حديث يضعه كثير من الناس غير موضعه وقد تذرع به قوم من أهل البدع إلى استحلال الشهادة لمن عرف عنده بالصدق على كل شيء ادعاه، وإنما وجه الحديث ومعناه أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما حكم على الأعرابي بعلمه إذ كان النبي صلى الله عليه وسلم صادقًا بارًا في قوله وجرت شهادة خزيمة في ذلك مجرى التوكيد لقوله والاستظهار بها على خصمه فصارت في التقدير شهادته له وتصديقه إياه على قوله كشهادة رجلين في سائر القضايا.

.ومن باب القضاء باليمين والشاهد:

قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة والحسن بن علي أن زيد بن الحباب حدثهم، قال: حَدَّثنا سيف المكي قال عثمان عن سيف بن سليمان عن قيس بن سعد عن عمرو بن دينار عن ابن عباس «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بيمين وشاهد».
قال الشيخ: يريد أنه قضى للمدعي بيمينه مع شاهد واحد كأنه أقام اليمين مقام شاهد آخر فصار كالشاهدين. وهذا خاص في الأموال دون غيرها لأن الراوي وقفه عليها، والخاص لا يتعدى به محله ولا يقاس عليه غيره واقتضاء العموم منه غير جائز لأنه حكاية فعل والفعل لا عموم له فوجب صرفه إلى أمر خاص فلما قال الراوي هو في الأموال كان مقصورًا عليه.
وقد رأى الحكم باليمين مع الشاهد الواحد أجلة الصحابة وأكثر التابعين. وفقهاء الأمصار، وأباه أصحاب الرأي وابن أبي ليلى، وقد حكي ذلك أيضًا عن النخعي والشعبي.
واحتج بعضهم في ذلك بقوله عليه السلام «البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه»، وهذا ليس بمخالف لحديث «اليمين مع الشاهد» وإنما هو في اليمين إذا كان مجردًا وهذه يمين مقرونة ببينة فكل واحد منهما غير الأخرى فإذا تباين محلاهما جاز أن يختلف حكماهما.
قال أبو داود: حدثنا أحمد بن عبدة حدثنا عمار بن شعيث بن عبد الله بن الزُّبَيب العنبري حدثني أبي قال: سمعت جدي الزبيب يقول: «بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشًا إلى بني العنبر فأخذوهم برُكْبة من ناحية الطائف فاستاقوهم إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فركبت فسبقتهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلت السلام عليك يا نبي الله ورحمة الله وبركاته أتانا جندك فأخذونا وقد كنا أسلمنا وخضرمنا آذان النعم فلما قدم بَلْعنبر قال لي نبي الله صلى الله عليه وسلم هل لكم بينة على أنكم أسلمتم قبل أن تؤخذوا في هذه الأيام، قلت نعم قال من بينتك قلت سمره رجل من بني العنبر ورجل آخر سماه له فشهد الرجل وأبى سمرة أن يشهد، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم قد أبى أن يشهد لك فتحلف مع شاهدك الآخر فقلت نعم فاستحلفني فحلفت بالله لقد أسلمنا يوم كذا وكذا وخضرمنا آذان النعم فقال النبي صلى الله عليه وسلم اذهبوا فقاسموهم أنصاف الأموال ولا تمسوا ذراريهم لولا أن الله تعالى لا يحب ضلالة العمل ما رزيناكم عِقالًا. قال الزبيب فدعتني أمي فقالت هذا الرجل أخذ زِربيتي فانصرفت إلى نبي الله، يَعني فأخبرته فقال لي احبسه فأخذت بتلبيبه وقمت معه مكاننا ثم نظر إلينا نبي الله صلى الله عليه وسلم قائمين، فقال ما تريد بأسيرك فأرسلته من يدي فقام نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال للرجل رد على هذا زِربية أمه التي أخذت منها قال يا نبي الله إنها خرجت من يدي قال فاختلع نبي الله صلى الله عليه وسلم سيف الرجل فأعطانيه فقال للرجل اذهب فزده آصعا من طعام، قال فزادني آصعا من شعير».
قال الشيخ: قوله: «خضرمنا آذان النعم» أي قطعنا أطراف آذانها وكان ذلك في الأموال علامة بين من أسلم وبين من لم يسلم. والمخضرمون قوم أدركوا الجاهلية وبقوا إلى أن أسلموا ويقال إن أصل الخضرمة خلط الشيء بالشيء.
وضلالة العمل بطلانه وذهاب نفعه ويقال ضل اللبن في الماء إذا بطل وتلف.
وقوله: «ما رزيناكم عقالًا» اللغة الفصيحة ما رزأناكم بالهمز يريد ما أصبنا من أموالكم عقالًا، ويقال ما رزأته زبالًا أي ما أصبت منه ما تحمله نملة، والزربية الطنفسة.
وفي الحديث استعمال اليمين مع الشاهد في غير الأموال إلاّ أن إسناده ليس بذاك.
وقد يحتمل أيضًا أن يكون اليمين قد قصد بها هاهنا الأموال لأن الإسلام يعصم المال كما يحقن الدم.
وقد ذهب قوم من العلماء إلى إيجاب اليمين مع البينة العادلة. كان شريح والشعبي والنخعي يرون أن يستحلف الرجل مع بينته، واستحلف شريح رجلًا فكأنه تأبى لليمين فقال بئس ما تثني على شهودي وهو قول سوار بن عبد الله القاضي. وقال إسحاق إذا استراب الحاكم أوجب ذلك.

.ومن باب الرجلين يدعيان شيئًا وليس بينهما بينة:

قال أبو داود: حدثنا محمد بن منهال الضرير حدثنا يزيد بن زريع حدثنا ابن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن جده أبي موسى الأشعري «أن رجلين ادعيا بعيرًا أو دابة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليس لواحد منهما بينة فجعله النبي صلى الله عليه وسلم بينهما».
قال الشيخ: يشبه أن يكون هذا البعير أو الدابة كان في أيديهما معًا فجعله النبي صلى الله عليه وسلم بينهما لاستوائهما في الملك باليد ولولا ذلك لم يكونا بنفس الدعوى يستحقانه لو كان الشيء في يد غيره.
قال أبو داود: حدثنا محمد بن بشار حدثنا حجاج بن منهال حدثنا همام عن قتادة بمعنى إسناده «أن رجلين ادعيا بعيرًا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فبعث كل واحد منهما شاهدين فقسمه النبي صلى الله عليه وسلم بينهما نصفين».
قال الشيخ: وهذا مروي بالإسناد الأول، إلاّ أن الحديث المتقدم أنه لم يكن لواحد منهما بينة وفي هذا إن كل واحد منهما قد جاء بشاهدين فاحتمل أن يكون القصة واحدة، إلاّ أن الشهادات لما تعارضت تساقطت فصارا كمن لا بينة له وحكم لهما بالشيء نصفين بينهما لاستوائهما في اليد. ويحتمل أن يكون البعير في يد غيرهما، فلما أقام كل واحد منهما شاهدين على دعواه نزع الشيء من يد المدعى عليه ودفع إليهما.
وقد اختلف العلماء في الشيء يكون في يدي الرجل فيتداعاه اثنان ويقيم كل واحد منهما بينة فقال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه يقرع بينهما فمن خرجت له القرعة صار له. وكان الشافعي يقول به قديمًا ثم قال في الجديد فيه قولان أحدهما يقضي به بينهما نصفين وبه قال أصحاب الرأي وسفيان الثوري.
والقول الآخر يقرع بينهما وأيهما خرج سهمه حلف لقد شهد شهوده بحق ثم يقضي له به.
وقال مالك لا أحكم به لواحد منهما إذا كان في يد غيرهما، وحكي عنه أنه قال هو لأعدلهما شهودًا وأشهرهما بالصلاح.
وقال الأوزاعي يؤخذ بأكثر البينتين عددًا، وحكي عن الشعبي أنه قال هو بينهما على حصص الشهود.
قال أبو داود: حدثنا محمد بن منهال حدثنا يزيد بن زريع حدثنا ابن أبي عروبة عن قتادة عن خِلاس عن أبى رافع، عَن أبي هريرة «أن رجلين اختصما في متاع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليس لواحد منهما بينة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم استهما على اليمين ما كان أحبا ذلك أو كرها».
قال الشيخ: معنى الاستهام هنا الاقتراع يريدا أنهما يقترعان فأيهما خرجت له القرعة حلف وأخذ ما ادعاه، وروي ما يشبه هذا عن علي رضي الله عنه قال حنش بن المعتمر أتي علي ببغل وجد في السوق يُباع، فقال رجل هذا بغلي لم أبع ولم أهب ونزع على قال بخمسة يشهدون، قال وجاء آخر يدعيه يزعم أنه بغله وجاء بشاهدين، فقال علي رضي الله عنه إن فيه قضاءً وصلحًا وسوف أبين لكم ذلك كله، أما صلحه أن يباع البغل فيقسم ثمنه على سبعة أسهم لهذا خمسة ولهذا اثنان، وإن لم يصطلحوا إلاّ القضاء فإنه يحلف أحد الخصمين أنه بغله ما باعه ولا وهبه فإن تشاححتما أيكم يحلف أقرعنا بينكما على الحلف فأيكما قرع حلف قال فقضى بهذا وأنا شاهد.

.ومن باب الرجل يحلف على علمه فيما غاب عنه:

قال أبو داود: حدثنا هناد بن السري حدثنا أبو الأحوص عن سماك عن علقمة بن وائل بن حجر الحضرمي عن أبيه قال: «جاء رجل من حضرموت ورجل من كندة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الحضرمي يا رسول الله إن هذا غلبني على أرض كانت لأبي، فقال الكندي هي أرضي في يدي أزرعها ليس له فيها حق فقال النبي صلى الله عليه وسلم للحضرمي ألك بينة قال لا، قال فلك يمينه، قال يا رسول الله أنه فاجر ليس يبالي ما حلف ليس يتورع من شيء، فقال ليس لك منه إلاّ ذلك».
قال الشيخ: فيه من الفقه أن المدعى عليه يبرأ باليمين من دعوى صاحبه، وفيه أن يمين الفاجر كيمين البر في الحكم.
وفيه دليل على سقوط التباعة فيما يجري بين الخصمين من التشاجر والتنازع إذا ادعى على الآخر الظلم والاستحلال ما لم يعلم خلافه.

.ومن باب الحبس في الدين وغيره:

قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا عبد الله بن المبارك عن وَبْر بن أبي دُليلة عن محمد بن ميمون عن عمرو بن الشريد عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليُّ الواجد يُحِل عرضه وعقوبته».
قال ابن المبارك: «يحل عرضه» أي يغلظ له، «وعقوبته» يحبس له.
قال الشيخ: في الحديث دليل على أن المعسر لا حبس عليه لأنه إنما أباح حبسه إذا كان واجدًا والمعدم غير واجد فلا حبس عليه.
وقد اختلف الناس في هذا فكان شريح يرى حبس الملي والمعدم، وإلى هذا ذهب أصحاب الرأي.
وقال مالك لا حبس على معسر إنما حظه الإنظار. ومذهب الشافعي أن من كان ظاهر حاله العسر فلا يحبس، ومن كان ظاهر حاله اليسار حبس إذا امتنع من أداء الحق. ومن أصحابه من يدعي فيه زيادة شرط وقد بينه.
قال أبو داود: حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده «أن النبي صلى الله عليه وسلم حبس رجلًا في تهمة».
قال الشيخ: فيه دليل على أن الحبس على ضربين حبس عقوبة وحبس استظهار. فالعقوبة لا تكون إلاّ في واجب. وأما ما كان في تهمة فإنما يستظهر بذلك ليستكشف به عما وراءه. وقد روي أنه حبس رجلًا في تهمة ساعة من نهار ثم خلى سبيله.

.ومن باب القضاء:

قال أبو داود: حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا المثنى بن سعيد عن قتادة عن بشير بن كعب العدوي، عَن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا تدارأتم في طريق فاجعلوه سبعة أذرع».
قال الشيخ: هذا في الطرق الشارعة والسلُك النافذة التي كثر فيها المارة أمر بتوسعتها لئلا تضيق عن الحمولة دون الأزقة الروابع التي لا تنفذ ودون الطرق التي يدخل منها القوم إلى بيوتهم إذا اقتسم الشركاء بينهم ربعا وأحرزوا حصصهم وتركوا بينهم طريقًا يدخلون منه إليها.
ويشبه أن يكون هذا على معنى الإرفاق والاستصلاح دون الحصر والتحديد.
قال أبو داود: حدثنا مسدد وابن أبي خلف قالا: حَدَّثنا سفيان عن الزهري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا استأذن أحدكم أخاه أن يغرز خشبة في جداره فلا يمنعه. فنكَسوا فقال مالي أراكم قد أعرضتم لألقينها بين أكتافكم».
قال الشيخ: عامة العلماء يذهبون في تأويله إلى أنه ليس بإيجاب يحمل عليه الناس من جهة الحكم، وإنما هو من باب المعروف وحسن الجوار، إلاّ أحمد بن حنبل فإنه رآه على الوجوب وقال على الحكام أن يقضوا به على الجار ويمضوه عليه إن امتنع منه.
قال أبو داود: حدثنا سليمان بن داود العتَكي حدثنا حماد حدثنا واصل مولى أبي عيينة، قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي يحدث عن سمرة بن جندب «أنه كانت له عَضدُ من نخل في حائط رجل من الأنصار قال ومع الرجل أهله قال فكان سمرة يدخل إلى نخله فيتأذى به ويشق عليه فطلب إليه يبيعه فأبى، فطلب إليه أن يناقله فأبى فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فطلب إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيعه فأبى فطلب إليه أن يناقله فأبى، قال فهبه له ولك كذا وكذا أمرًا رغبه فيه فأبى فقال أنت مُضار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأنصاري اذهب فاقلع نخله».
قال الشيخ: رواه أبو داود عُضدًا وإنما هو عضيد من نخيل يريد نخلا لم تنسق ولم تطل، قال الأصمعي إذا صار للنخلة جذعة يتناول منه المتناول فتلك النخلة العضيد وجمعه عضيدات.
وفيه من العلم أنه أمر بإزالة الضرر عنه وليس في هذا الخبر أنه قلع نخله.
ويشبه أن يكون أنه إنما قال ذلك ليردعه به عن الأضرار.
قال أبو داود: حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا الليث عن الزهري عن عروة أن عبد الله بن الزبير حدثه «أن رجلًا خاصم الزبير في شِراج الحرة التي يسقون بها فقال الأنصاري سرح الماء فأبى عليه الزبير، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للزبير اسق يا زبير ثم أرسل إلى جارك، قال فغضب الأنصاري فقال يا رسول الله إن كان ابن عمتك. فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال اسق ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجَدْر، فقال الزبير فوالله إني لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجًا مما قضيت ويسلموا تسليما} [النساء: 65]».
قال الشيخ: شراج الحرة مجاري الماء الذي يسيل منها واحده شَرْج، ومنه قول الشاعر يصف دلوًا:
قد سقطت في قصة من شرج ** ثم استقلت مثل شدق العلج

وفيه من الفقه أن أصل المياه الأودية والسيول التي لا تملك منابعها ولم تستنبط بحفر وعمل الإباحة وأن الناس شرع سواء في الارتفاق بها، وأن من سبق إلى شيء منها فأحرزه كان أحق به من غيره.
وفيه دليل على أن أهل الشرب الأعلى مقدمون على من هو أسفل لسبقه إليه وأنه ليس للأعلى أن يحبسه عن الأسفل إذا أخذ حاجته منه. فأما إذا كان أصل منبع الماء ملك لقوم وهم فيه شركاء أو كانت أيديهم عليه معًا فإن الأعلى والأسفل فيه سواء، فإن اصطلحوا على أن يكون نوبًا بينهم فهو على ما تراضوا به وإن تشاحوا اقترعوا فمن خرجت له القرعة كان مبدوءًا به.
وقد اختلف الناس في تأويل هذا الحديث فذهب بعضهم إلى أن القول الأول إنما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم على وجه المشورة للزبير وعلى سبيل المسألة في أن يطيب نفسًا لجاره الأنصاري دون أن يكون ذلك منه حكمًا عليه، فلما خالفه الأنصاري حكم عليه بالواجب من حكم الدين.
وذهب بعضهم إلى أنه قد كفر حين ظن برسول الله صلى الله عليه وسلم المحاباة للزبير إذ كان ابن عمته وإن ذلك القول منه كان ارتدادًا عن الدين، وإذا ارتد عن الإسلام زال ملكه وكان فيئًا فصرفه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الزبير إذ كان له أن يضع الفيء حيث أراه الله تعالى.
وفيه مسند لمن رأى جواز نسخ الشيء قبل العمل به.